فصل: مسألة يتصدق على رجل بألف درهم وعزلها المتصدق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يبعث بمال إلى إفريقية فتحضره زكاته أيقومه:

وسألت ابن القاسم: عن الرجل يبعث بمال إلى إفريقية فتحضره زكاته، أيقومه؟ قال: إن علم ذلك وتبين كم هو، أو قدر على أن يتوخى قدر ذلك، فعل، وإن أخر ذلك حتى يقدم عليه، زكاه لما مضى له.
قال محمد بن رشد: وهذا في المدير الذي يبعث من ماله بضاعة، فإذا جاء شهر زكاته قومه وزكاه مع ما يزكي من ماله- إن علم قدره، أو قدر أن يتوخاه، وإن لم يعلم ذلك أخر زكاته حتى يقدم عليه، فزكاه لما مضى له من الأعوام على ما يخبره به الذي هو بيده، وهذا ما لا اختلاف فيه أعلمه؛ لأنه ماله ضمانه منه وربحه له، فلا تسقط عنه زكاته لمغيبه عنه.

.مسألة النصاب من الورق:

وسئل سحنون: عن رجل له مائتا درهم ليست كيلا بالأندلس، وهي تجوز عندهم مجاز الكيل، قال: لا يكون عليه فيه الزكاة، إلا أن ينقص من الكيل نقصانا يسيرا.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف بين أهل العلم في أن النصاب من الورق خمس أواق، وهي مائتا درهم كيلا تجيء بوزن زماننا مائتي درهم وثمانين درهما، فإن نقصت من ذلك نقصانا بينا تتفق عليه الموازين، لم تجب فيها الزكاة، إلا أن يجرى عددا، وهي تجوز بجواز الوازنة فتجب فيها الزكاة.
وإن كان النقصان كثيرا، وهو ظاهر ما في الموطأ؛ وقيل: إن الزكاة لا تجب فيه، وإن كان النقصان يسيرا، وإلى هذا ذهب ابن لبابة، وقيل: إن كان النقصان يسيرا، وجبت فيها الزكاة، وإن كان كثيرا، لم تجب فيها الزكاة، وهو قول سحنون هذا؛ وأما إن كانت لا تجوز بجواز الكيل، فلا تجب فيها الزكاة، وإن كان النقصان يسيرا قولا واحدا، فهذا تحصيل الخلاف في هذه المسألة.

.مسألة حلت عليه الزكاة وهو ممن يدير ماله في التجار:

وسئل: عن رجل حلت عليه الزكاة وهو ممن يدير ماله في التجارة، فأتى شهره الذي يقوم فيه، هل يجب عليه أن يبيع عروضه بالغا ما بلغ؟ قال: عليه أن يبيع كما يبيع الناس لحاجتهم، ويؤدي زكاة ماله؛ قيل له: فإن لم يبع من العروض حتى تلفت بعدما حال عليه الحول، هل يكون ضامنا للزكاة؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن للرجل أن يتقصى في سلعته للبيع، ويجتهد في تسويقها ليؤدي منها الزكاة دون تفريط ولا تأخير، وليس يلزمه أن يبيعها من حينه بما يعطى فيها من قليل أو كثير؛ لأن ذلك من إضاعة المال، فإن فرط في بيعها حتى تلفت، لزمه ضمان الزكاة؛ وإن تلفت قبل أن يفرط، لم يلزمه ضمان ما تلف، وزكى الباقي إن كان ما يجب فيه الزكاة.
وقيل: إنه تلزمه الزكاة، وإن لم تبلغ ما يجب فيه الزكاة؛ لأن المساكين نزلوا معه بحلول الحول منزلة الشركاء، فما تلف فمنه ومنهم، وما بقي فبينه وبينهم، وبالله التوفيق.

.مسألة زكاة ما ورثوه من الناض لكل سنة:

قال سحنون: في الذي يموت ويترك مالا وولدا صغارا أو كبارا، إن الزكاة على الصغار والكبار لكل سنة من يوم ورثوه- وإن لم يقسم المال، ولا يكون مثل الدين على الرجل، فيقيم عنده سنين، أنه لا يكون عليه إلا زكاة واحدة حتى يقبضه؛ لأن الذي كان في يديه الدين كان ضامنا، ولم يكن رب الدين ضامنا له حتى يقبضه، وإن الميراث، إنما هو في ضمان أهل الميراث من حين ورثوه إن تلف، ومصيبته منهم.
فلذلك كان عليهم زكاته كل سنة من حين ورثوه إلى يوم يصير إليهم؛ لأنه لم يزل ملكا لهم من حين ورثوه، وإن لم يكونوا قبضوه.
قال محمد بن رشد: هذا مذهب سحنون: أن على الورثة زكاة ما ورثوه من الناض لكل سنة من حين ورثوه، وإن لم يقبضوه ولا علموا به صغارا كانوا أو كبارا، أو صغارا وكبارا، وهو قول المغيرة؛ ووجه ذلك كونه في ضمانهم من يوم ورثوه، وذهب ابن القاسم إلى أنه لا زكاة عليهم فيه حتى يقبضوه ويستقبلوا به حولا من يوم قبضوه، وإن علموا به صغارا كانوا أو كبارا أو صغارا وكبارا، ووجه ذلك أن تنميته لا تصح لهم إلا بعد قبضه، وهي المعنى المقصود بالحول؛ وقد فرق بين أن يعلموا أو لا يعلموا على وجهين، أحدهما: أنهم إن لم يعلموا استقبلوا به حولا بعد القبض، وإن علموا ولم يقدروا على التخلص إليه، زكوه لسنة واحدة؛ وإن علموا وكانوا قادرين على التخلص إليه، زكوه لما مضى من الأعوام، وهذا قول مطرف؛ والثاني: أنهم إن لم يعلموا زكوه لسنة واحدة، وإن علموا زكوه لما مضى من الأعوام، روي هذا عن مالك.
واختلف في قبض الوكيل والوصي والسلطان، فلم يراع ابن القاسم قبض السلطان، ولا قبض الوصي- إذا كان الورثة كبارا أو صغارا أو صغارا وكبارا؛ وإنما رأى قبضه قبضا للصغار إذا كان المال مقسوما، وجعل قبض الوكيل كقبضه؛ وجعل ابن حبيب قبض السلطان والوكيل كقبضه لنفسه، ورأى قبض الوصي قبضا للصغار- مقسوما كان المال أو غير مقسوم، وقد روى أصبغ عن ابن القاسم: أن الوكيل إذا قبض المال وأقام في يديه سنين فليس عليه فيه إلا زكاة عام واحد، فهذا تلخيص الاختلاف في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

.مسألة المفقود يوقف ماله ويحبس عليه هل تؤدى منه الزكاة:

وسئل: عن المفقود يوقف ماله ويحبس عليه، هل تؤدى منه الزكاة، فقال: لا تؤدى منه الزكاة؛ لأني لا أدري لعل عليه من الدين أكثر من ماله، أو قال: لعله يلحقه من الدين أكثر من ماله.
قال محمد بن رشد: قد اعتل ابن القاسم لقوله: بعله صحيحة، وهي المخافة أن يكون عليه دين لأن الدين يسقط زكاة العين، وله علة أخرى أيضا وهي أنا لا ندري لعله قد مات، فلا يدرى على ملك من يزكيه من الورثة.

.مسألة السفينة هل يقومها ويخرج زكاة قيمتها:

وعن الرجل يكون ممن يدير ماله في التجارة، وتكون له سفينة اشتراها يكريها إلى مصر وإلى الأندلس، هل يقومها في كل سنة، ويخرج زكاة قيمتها، فقال: لا يكون عليه أن يقومها.
قال محمد بن رشد: لو اشتراها للتجارة لقومها، وإنما لم يقومها من أجل أنه اشتراها للكراءة، وقد اختلف قول مالك في هذا المعنى على ما قد ذكرناه في رسم الزكاة من سماع أشهب.

.مسألة يتصدق على رجل بألف درهم وعزلها المتصدق:

وسئل سحنون: عن الرجل يتصدق على رجل بألف درهم، وعزلها المتصدق، فأقامت سنين، فلم يقبلها المتصدق عليه، أو قبلها؛ قال: إن قبلها استقبل بها حولا، وسقط زكاة ما مضى من السنين، وإن لم يقبلها رجعت إلى صاحبها، وأدى عنها زكاة ما مضى من السنين.
قال محمد بن رشد: في النوادر لابن القاسم من رواية سحنون عنه: أنه إن قبلها المتصدق عليه، استقبل بها حولا ولم تسقط منه الزكاة، ووجه قول سحنون: أنه لما تصدق المتصدق بالدنانير، وللمتصدق عليه أن لا يقبلها، صارت الصدقة موقوفة على قبوله؛ فإن قبل، خرجت عن ملك المتصدق يوم تصدق بها، فلم تجب عليه زكاتها؛ كمن باع سلعة رجل بغير إذنه، فأجاز، ووجه قول ابن القاسم: أن المتصدق عليه لما كان له أن يقبل أو يرد بما أوجب له المتصدق على نفسه، وكان إن قبل وجبت له الصدقة بالقبول، وجب ألا تخرج من ملك المتصدق إلا بالقبول، فكان عليه زكاتها كالمملكة أو المخيرة تختاران الطلاق، أنه يقع عليهما يوم القضاء، لا يوم التخيير والتمليك؛ وهو أن القولين جاريان على اختلافهم في مشتري السلعة بالخيار- إذا اختار البيع، هل تجب له السلعة يوم اشتراها، أو يوم اختار؟ فقد قال في كتاب الشفعة من المدونة في الذي اشترى شقصا بخيار، ثم بيع الشقص الآخر من الدار بيع بت، أنه إن اختار الشراء، كانت الشفعة في الشقص المبيع بالبت، فأوجب له الشراء بالعقد، وعلى هذا يأتي قول سحنون: إنه إن قبل الصدقة، سقطت عن المتصدق فيها الزكاة؛ وقد روي عن ابن القاسم: أن الشفعة لمشتري البت إن اختار مشتري الخيار، فجعل البيع إنما وجب له بالاختيار لا بالبيع، فقيل: هذا يأتي على قول ابن القاسم: إنه إن قبل المتصدق عليه الصدقة، لم يسقط عن المتصدق زكاتها، ولو كانت هذه الصدقة مما له غلة، لكانت الغلة على قول ابن القاسم للمتصدق إلى يوم القبول- وإن قبل، وعلى قول سحنون يكون للمتصدق عليه- إن قبل، وبالله التوفيق.

.مسألة وجد ركازا في أرض عنوة لمن يكون هذا الركاز:

قيل لسحنون: ما تقول في رجل وجد ركازا في أرض عنوة، ولم يبق من الذين افتتحوها أحد، ولا من أولادهم، ولا من نسلهم؛ لمن يكون هذا الركاز؟ فقال: يجعل مثل اللقطة، قيل: فيصنع به ماذا؟ قال: يتصدق به على المساكين؛ لأن الذين غنموه لا يعرفون؛ قيل له: فإن كانت أرضا لا تعرف إن كانت مغنومة أو صلحا؟ فقال: يكون لمن أصابه.
قال محمد بن رشد: قوله: ولم يبق من الذين افتتحوها أحد، ولا من أولادهم ولا من نسلهم، معناه ولم يبق منهم أحد يعرف بعينه، ويدل على ذلك قوله في آخر المسألة: لأن الذين غنموه لا يعرفون، ولو كانوا قد بادوا وذهبوا، ولم يبق منهم أحد، لما لزم أن يكون حكم ذلك حكم اللقطة في صرفه إلى الصدقة؛ وإنما الذي كان يجب فيه أن يجعل في بيت مال المسلمين كميراث من مات ولا وارث له؛ لأن هذا الركاز قد وجب للغانمين، فإذا علم أنهم قد ماتوا أو لم يبق منهم أحد، ولا من نسلهم، وجب أن يجعل في بيت مال المسلمين؛ وأما قوله: إذا لم يعرف إن كانت الأرض مغنومة أو صلحا، أنه يكون لمن أصابه فإنما قال: ذلك مراعاة للخلاف، إذ أكثر أهل العلم، يقولون: إنه لمن وجده، سواء كانت الأرض حرة عربية، أو صلحية أو عنوية، وهو قول ابن نافع، وقول مطرف، وابن الماجشون، وروايتهما عن مالك؛ وكان القياس في ذلك على القول بأن الركاز الموجود في أرض العنوة يكون للغانمين لتلك الأرض، وأن الركاز الموجود في أرض الصلح يكون للذين صولحوا على تلك الأرض من أهل الذمة؛ أن يكون حكمه حكم اللقطة يتصدق به على المساكين، إذ لا يعلم لمن هو منهم؛ كما لو أن رجلا وجد لقطة لا يعلم إن كانت لذمي أو مسلم، لوجب أن يتصدق بها على المساكين- إذا يئس من أن يعلم صاحبها بعينه والركاز الذي يخرج خمسه، ويكون لواجده أربعة أخماس حيث ما وجدوا في الأرض الحرة العربية التي ليست بصلحية ولا عنوية على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، هو دفن الجاهلية، وأما المال الإسلامي فليس بركاز، وإنما هو كنز؛ لأن الكنز هو المال المجموع الذي لا تؤدى منه الزكاة مدفونا كان أو غير مدفون، وحكمه حكم اللقطة بإجماع من أهل العلم، وقد اختلف فيمن وجد ركازا في أرض غيره من الأرض الحرة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، أو الحرة وغير الحرة على مذهب غيره، هل يكون للواجد، أو لصاحب الأرض، فذهب ابن حبيب إلى أنه لصاحب الأرض، ورواه عن ابن زياد عن مالك، وحكى الفضل عن ابن القاسم وأشهب أنه للواجد، وكان القياس أن يكون على مذهب ابن حبيب لواجده؛ لأنه لا يراه تبعا للأرض إذا كانت عنوة أو صلحا؛ وعلى مذهب ابن القاسم وأشهب: أن تكون لرب الأرض؛ لأنهما يريانه تبعا للأرض- إذا كانت عنوة أو صلحا، وبالله التوفيق.

.مسألة له على رجل مال حال عليه الحول فأخذ منه جزءا لا يجب في مثله الزكاة:

من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب الزكاة والصيام:
قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم- وسئل: عن رجل له على رجل مائتا درهم قد حال عليها الحول، فأخذ منها دنانير لا تجب في مثلها الزكاة، أو كانت له عليه عشرون دينارا، فأخذ منه صرف دراهم لا تجب في مثلها الزكاة، أعليه أن يزكي ذلك، قال: ليس عليه زكاة، إلا أن يأخذ مكان الذهب من الدراهم ما تجب فيه الزكاة، أو مكان الدراهم من الذهب ما تجب فيه الزكاة، فيزكي ذلك؛ فأما ما لم تجب فيما يأخذ الزكاة فلا زكاة عليه؛ ولو كان ذلك عليه، لكان عليه أن يزكيها عند الحول- ولم يقبضها.
قال: ولو كان وهبها له، أو تصدق بها عليه، أو أخذ بها منه عرضا، لم يكن عليه فيها زكاة، وقاله أصبغ، وقال أشبه شيء به، والحجة فيه وعنه أخذ العرض، أنه لا يزكي عنها مكانه، ولا تقوم العروض، ولا يزكي ثمن العروض إذا باعه حتى يحول على ثمنه الحول، وفيه ما تجب في مثله الزكاة؛ قال أصبغ: قيل لابن القاسم: أرأيت إن كانت دراهمه عليه أقل من مائتي درهم، أو دنانيره أقل من عشرين دينارا، فأخذ في الدنانير من الدراهم مائتي درهم، وفي الدراهم من الدنانير عشرين دينارا، قال: أرى عليه الزكاة في الوجهين جميعا- كانا من بيع أو سلف قرض؛ فهو سواء يزكي إذا أخذ مائتي درهم، أو عشرين دينارا، إذا كانت السلعة في أصل البيع كانت لتجارة.
وقال أصبغ: وإنما هو رجل أفاد عشرة دنانير، فأقامت عنده حولا، ثم اشترى بها مائتي درهم فليزك؛ لأن فضلها منها، وقد أقرضت بفضلها أو أفاد مائة درهم فأقامت عنده حولا، ثم صرفها بعشرين دينارا، فعليه فيها الزكاة مكانه، بمنزلة من أفاد عشرة دنانير، فاشترى بها سلعة فنمت بفضلها إلى ما تجب فيه الزكاة، ففيها الزكاة.
قال محمد بن رشد: أما المسألة الأولى، وهي الرجل يكون له من الدنانير أو الدراهم دينا على رجل ما تجب فيه الزكاة فيحول عليه الحول، ثم يأخذ منه بذلك ما لا تجب فيه الزكاة من الدنانير أو الدراهم، أو ما لا تجب فيه الزكاة من العروض؛ أنه لا زكاة عليه في الدنانير ولا في الدراهم، ولا في العروض، حتى يبيعها ويستقبل بثمنها حولا، معناه إن كان أخذها للقنية فلا اختلاف في ذلك في المذهب، وابن شهاب يرى عليه زكاة الدين إذا حال عليه الحول، وإن لم يقبضه؛ وروي ذلك عن ابن عمر، ولذلك قال أشهب: إنه إن زكاه قبل أن يقبضه أجزأه؛ فعلى قولهما لا تسقط عنه الزكاة في ذلك- وإن أخذ فيه أقل مما تجب فيه الزكاة أو عروضا؛ وأما المسألة الثانية إذا كان له عليه أقل مما تجب فيه الزكاة، وقد حال عليه الحول فأخذ منه ما تجب فيه الزكاة، فقوله فيها: أن عليه الزكاة، هو على المشهور في المذهب من أن الأرباح مزكاة على أحوال أصول الأموال، وقد ذكرنا في أول مسألة من سماع ابن القاسم ما في ذلك من الاختلاف في المذهب موعبا- وبالله التوفيق.

.مسألة استودع وديعة فأسلفها رجلا فأقامت سنين:

قال ابن القاسم: فيمن استودع وديعة فأسلفها رجلا، فأقامت سنين، أنه يزكيها إذا قبضها؛ لأنه كان ضامنا لها فصارت دينا له، وقاله أصبغ، وقال: يزكيها لسنة واحدة وهو بمجرى سبيل الديون التي له.
قال محمد بن رشد: أما المودع الذي أقرضها، فيزكيها لسنة واحدة إذا قبضها إن كان له بها وفاء، قد حل عليه الحول باتفاق، أو لم يحل عليه على ما تقدم من الاختلاف في رسم استأذن من سماع عيسى؛ وأما الذي أقرض إياها، فيزكيها لكل سنة عنده- إن كان له بها وفاء؛ وأما صاحبها المودع، فيزكيها إذا قبضها زكاة واحدة لجميع السنين التي كانت عند المقرض- كان له بها وفاء أو لم يكن؛ لأنها ماله، وما أقامت بيد المودع قبل أن يقرضها فعليه زكاتها لكل سنة، إلا على رواية ابن نافع عن مالك التي ذكرناها في رسم استأذن، وهو شذوذ في المذهب، وبالله التوفيق.

.مسألة أكرى داره ثلاث سنين جملة بمائة دينار كيف يزكي:

قال أصبغ: سألت ابن القاسم عمن أكرى داره ثلاث سنين جملة بمائة دينار في كل سنة، فحلت أول سنة، فلم يقبضها ولا الثانية؛ ثم قبض ثلاثمائة بعد الثلاث سنين، كيف يزكي؟ قال: يستقبل بها حولا كلها من يوم قبضها، وليس في ذلك اختلاف من قول مالك بمنزلة ما لو باع سلعة بثمن حال، فاستأخر حتى قبضه بعد سنة، فإنما يستقبل به من يوم يأخذه حولا، أو بمنزلة الدين ورثه من أبيه على رجل فأخره قبله أرفقه به حتى مضت ثلاث سنين؛ فإنما يستقبل به من يوم يأخذه حولا، ثم قال لي في الأولى: إلا أن يكون فعل ذلك هربا من الزكاة، قال أصبغ: ليس استثناؤه هذا بعلم ولا شيء سوى فعله ها هنا هربا من الزكاة أو غير هرب، أو متعمدا أو غير متعمد، وقادرا على أخذه أو غير قادر، هي والثانية سواء، وليس عليه في ذلك زكاة، وإنما يستقبل بذلك كله حولا من يوم يقبضه، ولا يعبأ بما مضى قبل ذلك من الأحوال ولا غيرها، أو بما يقبض منه لما تجب فيه الزكاة إن قبضه مقطعا؛ قال أصبغ: وليس في هذا كلام ولا اختلاف.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ هو القياس: ألا فرق بين الأولى، وهي التي باع سلعة بثمن حال، فاستأخر حتى قبضه بعد سنة، وبين الثانية وهي التي ورث الدين عن أبيه على رجل فأخره به في أن لا زكاة عليه فيهما- وإن فعل ذلك هربا من الزكاة؛ لاستوائهما في أن الزكاة لا تجب عليه فيهما إلا بعد سنة من يوم القبض، ووجه قول ابن القاسم في تفرقته بينهما: أن الدين في المسألة الأولى من بيع باعه، وقد قال ابن الماجشون والمغيرة: إن العروض المقتناة إذا بيعت بثمن مؤجل، فاقتضى بعد حول، زكى مكانه كدين التجارة؛ وقال ابن شهاب، وعبد الله بن عمر: في إحدى الروايتين عنه أن الدين يزكى، وإن لم يقبض؛ ومن فعل هربا من الزكاة ما يجب عليه به الزكاة في قول قائل، فهو بخلاف من فعل هربا ما يسقط عنه الزكاة باتفاق، وهذا أصل يعتمد عليه؛ ألا ترى أن من كانت له دنانير تجب فيها الزكاة، فاشترى بها عرضا لا غرض له فيه إلا الهروب من الزكاة لم يجب عليه شيء بإجماع؛ وأما المسألة الأولى وهي التي أكرى داره ثلاث سنين جملة بمائة دينار في كل سنة، فلا اختلاف فيها من قول مالك- كما قال- وإن فعل ذلك هربا من الزكاة؛ لأن الكراء غلة، فهو بخلاف ثمن السلعة في المسألة التي بعدها، وبالله التوفيق.

.مسألة يدفع إلى الرجل المال قراضا فيقيم في يديه سنين ثم يرجع إليه:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: سألت مالكا عن الرجل يدفع إلى الرجل المال قراضا فيقيم في يديه سنين، ثم يرجع إليه، قال:
يزكيه لما مضى من السنين؛ قال ابن القاسم: وإنما أراد بذلك إذا كان المقارض يدير المال في تلك السنين، على ذلك حملناه، وهو الذي أراد، فأما إذا كان لا يدار، فزكاة سنة واحدة إذا رجع إليه، وإن كان العامل لا يدير، ورب المال ممن يدير، زكاه للسنين كلها.
قال أصبغ: قلت لابن القاسم: وكيف ذلك: أبعد أن يرجع إليه؟ أم في كل سنة يقومه مع ما يدير ويقوم؟ فقال: بل في كل سنة يقومه مع ما يدير، ويقوم من ماله هو أحب ما فيه إلي- إن كان عينا موقوفا بحاله بيد العامل زكاه ربه كل سنة على عدده؛ أو إن كان في سلعة قومها كلها إذا جاء شهر زكاته، فزكى بقدر رأس المال وحصته من الفضل؛ وإن كان المقارض عنه غائبا ببلد غيبة لا يدرى كيف حالته فيها، ولا ما حدث عليه، ولا حال ما في يديه، فلا زكاة عليه حتى يعلم ذلك، أو يرجع إليه؛ فإذا رجع إليه زكاه للسنين الماضية على قيمة السلع في تلك السنين- إن كان في سلع، رأيته بمنزلة الرجل الذي يجهز إلى بعض البلدان، ويجيء شهر زكاته ولا يدري حال ماله ذلك، فلا زكاة عليه حتى يرجع إليه علم ذلك؛ فإذا جاءه ذلك زكاه للسنين الماضية التي كان الجهاز فيها غائبا، وقاله أصبغ، وقال: هذا فقه هذه المسألة مجتمع.
قال محمد بن رشد: قول مالك في أول المسألة: إن القراض إذا رجع إلى ربه بعد أعوام، يزكيه لما مضى من السنين إن كان على ما فسر ابن القاسم- يريد أن يزكي لكل سنة قيمة المتاع فيها، كانت قيمته في كل سنة أقل من قيمته في السنة التي قبلها أو أكثر- على ظاهر قوله: يزكيه لما مضى من السنين، وهو ظاهر ما في القراض من المدونة، وقد قيل: إنه إذا زاد في كل سنة يزكيه على ما هو عليه من الزيادة، وإذا نقص يزكيه للأعوام الماضية على ما رجع إليه من النقصان، وأنه هو الذي يأتي على ما في سماع أبي زيد من كتاب القراض، ومثل ما في كتاب القراض من المدونة، وعلى ظاهر هذه الرواية، ورواية عيسى عن ابن القاسم من كتاب القراض من أن مال القراض لا يزكى- وإن كان حاضرا- إلا بعد المفاصلة؛ لأن العلة في أنه لا يزكى إلا بعد المفاصلة مخافة النقصان، إذ لو كان لا يسقط عنه زكاة ما نقص، لم يكن لتأخير إخراج الزكاة إلى حين المفاصلة معنى، فعلى هذا إن كان المال في أول سنة ثلاثمائة، وفي السنة الثانية مائتان، وفي الثالثة مائة، يزكي مائة، مائة لكل سنة، وقد جاء لابن حبيب في هذا المعنى اضطراب، ومن قوله أيضا: إن رب المال إذا كان يدير، والعامل لا يدير- وهو حاضر معه، أو غائب عنه، وهو يعلم ما في يده؛ فإنه يقوم كل سنة ما بيد العامل، فيزكي جميعه: رأس المال وجميع الربح، بخلاف رواية أصبغ هذه أنه يزكي رأس المال، وحصته من الربح، ويخرج زكاة ذلك من ماله، لا من مال القراض على قولهما جميعا؛ وأما إذا كان العامل مديرا فلا اختلاف في أنه يزكي رأس المال، وجميع الربح من مال القراض، ولا في أنه لا يزكيه حتى يرجع إليه فيزكيه للأعوام الماضية، وقول ابن القاسم في رواية أصبغ هذه: وإن كان العامل لا يدير، ورب المال يدير، زكاه للسنين كلها ظاهره وإن كان الذي بيد العامل الأكثر، إذ لم يفرق بين ذلك، خلاف قول عيسى بن دينار الواقع في سماع أبي زيد، وأما إن كانا غير مديرين، فلا زكاة عليه فيما بيد العامل حتى يرجع إليه فيزكيه زكاة واحدة، وبالله التوفيق.

.مسألة زكاة الدار المعدة للتجارة:

قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم يقول فيمن اشترى دارا للتجارة، فلما حل الحول باع النقض بمائة والمصاريع، ثم باع الدار بعد ذلك بمائة دينار، إنه يزكي جميع ذلك كله؛ قال أصبغ: يزكي الأول حين باع ولا ينتظر به، ويزكي الثاني حين يبيع، ويكون حول كل مال من يوم يزكيه للمستقبل؛ قال ابن القاسم: وليس النقض والمصاريع بفائدة.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن النقض والمصاريع ليس بغلة من الدار، فتكون فائدة، وإنما هي بعضها؛ فذلك كمن اشترى سلعتين للتجارة فباع إحداهما بمائة دينار بعد الحول، ثم باع بعد ذلك الأخرى بمائة أخرى، فقول أصبغ تفسير لقول ابن القاسم وتتميم له.

.مسألة له على رجل مائة دينار فدخل عليها الحول:

وسئل: عن رجل له على رجل مائة دينار، فدخل عليها الحول، ولرجل آخر على صاحب المائة مائة دينار- وقد حال عليها الحول، فأحاله على الذي له عليه المائة، أعلى المحيل بها فيها زكاة؟ قال: نعم، يزكيها.
قال أصبغ: لأنه كقبضها لو قبضها من صاحبها، قيل لابن القاسم أفعلى المحتال فيها زكاة؟ قال: نعم.
قال أصبغ: لأنه كقبضه إياها من صاحبها، وهو دين قد حال؛ ولا يبالي إذا قبضها ممن قبضها، وهو أقوى من الآخر، وأبين في الزكاة- وإن لم يكن عند واحد منهما وفاء فيها.
قال محمد بن رشد: قوله: وإن لم يكن عند واحد منهما وفاء بها، مطروح في بعض الروايات، وطرحه صواب؛ لأنه خطأ من أجل أن المحيل له مائة، وعليه مائة فلا زكاة عليه في المائة التي له قبضها من التي عليه، أو أحال بها عليه الذي له عليه المائة، إلا أن يكون له وفاء بالمائة التي عليه؛ وأما المحتال، فالمائة التي استحال بها دين له على المحيل يجب عليه زكاته إذا قبضه منه، أومن المحال عليه؛ ولا يشترط أن يكون له وفاء بها، إذ ليست بدين عليه، وإنما هي دين له؛ ويجب على المحيل زكاة المائة التي له- إذا أحال بها بنفس الإحالة- وإن لم يقبضها المحتال بها؛ لأن المائة التي عليه تسقط عنه بنفس الإحالة، فيصير قابضا لها؛ فكأنه بذلك قد قبضها من الذي كانت له عليه.
وتأول ابن لبابة على أصبغ أن الزكاة لا تجب عليه بنفس الإحالة حتى يقبضها المحتال بها، لقوله: لأنه كقبضها لو قبضها من صاحبها؛ فحمله على الخلاف؛ لقول ابن القاسم وهو تأويل فاسد، إذ لا وجه لمراعاة قبض المحتال فيما يجب على المحيل من الزكاة، وإنما يراعى قبضه فيما يجب عليه هو في خاصة نفسه؛ ومعنى قول أصبغ: لأنه كقبضها، يريد؛ لأن الإحالة كقبضها لو قبضها من صاحبها؛ لأنه يصير بها قابضا من نفسه، وهذا كله بين.
قال محمد بن المواز: وعلى المحتال عليه زكاتها أيضا- إن حال عليها الحول عنده من يوم تسلفها، أو صارت عليه- إن كان له وفاء بها وهو صحيح، فيجب على المحيل زكاة المائة بنفس الإحالة- إن كان له بها وفاء، ويجب على المحال زكاة المائة إذا قبضها، لا بنفس الإحالة على كل حال، إذ لا دين عليه، ولو كان للمحال عليه على المحال مائة قد حال عليها الحول أيضا، فقاصه بها، لوجب على كل واحد منهم زكاتها للمحيل بنفس الإحالة، والمحال عليه بالمقاصة إن كان لكل واحد منهم وفاء بها؛ لأن كل واحد منهم له مائة وعليه مائة، فوجب أن يزكي المائة التي له إذا قبضها، أو صارت إليه بحوالة، أو مقاصة- وله وفاء بالمائة التي عليه، وبالله التوفيق.